.فوائد لغوية وإعرابية:
قال السمين:سورة التغابن:
{يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ لهُ الْمُلْكُ ولهُ الْحمْدُ وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (1)}قوله:
{لهُ الملك}: مبتدأٌ وخبرٌ. وقدّم الخبر ليفِيد اختصاص المُلْكِ والحمدِ بالله، إذ المُلْكُ والحمدُ لله حقيقةٌ.
{خلق السّماواتِ والْأرْض بِالْحقِّ وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ وإِليْهِ الْمصِيرُ (3)}قوله:
{صُوركُمْ}: قرأه العامّةُ بضم الصادِ، وهو القياسُ في فُعْلة. وقرأ زيدُ بن علي والأعمش وأبو زيد بكسرِها، وليس بقياسٍ، وهو عكسُ (لُحى) بالضمِّ، والقياسُ لِحى بالكسر.
{يعْلمُ ما فِي السّماواتِ والْأرْضِ ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون والله علِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (4)}قوله:
{ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون}: العامّةُ على الخطابِ في الحرفيْن. ورُوِي عن أبي عمروٍ وعاصمٍ بياء الغيْبةِ، فتحتملُ الالتفات وتحتملُ الإِخبار عن الغائبين.
{ذلِك بِأنّهُ كانتْ تأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبيِّناتِ فقالوا أبشرٌ يهْدُوننا فكفرُوا وتولّوْا واسْتغْنى الله والله غنِيٌّ حمِيدٌ (6)}قوله:
{بِأنّهُ}: الهاءُ للشأنِ والحديث، و
{كانت تّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم} خبرُها و
{استغنى} بمعنى المجرّد. وقال الزمخشري: ظهر غِناه فالسين ليستْ للطلبِ .قوله:
{أبشرٌ يهْدُوننا} يجوزُ أنْ يرتفع على الفاعلية، ويكون من الاشتغال، وهو الأرجحُ لأنّ الأداة تطلبُ الفعل، وأن يكون مبتدأ وخبرا. وجُمع الضميرُ في
{يهْدوننا} إذ البشرُ اسمُ جنسٍ.
{زعم الّذِين كفرُوا أنْ لنْ يُبْعثُوا قُلْ بلى وربِّي لتُبْعثُنّ ثُمّ لتُنبّؤُنّ بِما عمِلْتُمْ وذلِك على الله يسِيرٌ (7)}قوله:
{أن لّن يُبْعثُواْ}:
{أنْ} مخففةٌ، لا ناصبةٌ لئلا يدْخُل ناصبٌ على مثلِه، و
{أنْ} وما في حيِّزها سادّةٌ مسدّ المفعوليْنِ للزعمِ أو المفعول. و
{بلى} إيجابٌ للنفي، و
{لتُبْعثُنّ}. جوابُ قسم مقدرٍ.
{يوْم يجْمعُكُمْ لِيوْمِ الْجمْعِ ذلِك يوْمُ التّغابُنِ ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ ويُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ خالِدِين فِيها أبدا ذلِك الْفوْزُ الْعظِيمُ (9)}قوله:
{يوْم يجْمعُكُمْ}: منصوبٌ بقوله:
{لتُنبّؤُنّ} عند النحاس وب
{خبيرٌ} عند الحوفي، وب (اذكُر) مضمرا عند الزمخشري، فيكون مفعولا به، وبما دلّ عليه الكلامُ، أي: تتفاوتون يوم يجمعُكم، قاله أبو البقاء. والعامّةُ بفتح الياءِ وضمِّ العين. ورُوِي سكونُها وإشمامُها عن أبي عمروٍ. وهذا منقول عنه في الراء نحو
{ينصُرُكُمْ} [الملك: 20] وبابِه كما تقدّم في البقرة. وقرأ يعقوب وسلام وزيد بن علي والشعبي
{نجمعكم} بنونِ العظمة.و
{التّغابُنُ} : تفاعُلٌ من الغبْن في البيعِ والشراءِ على الاستعارة وهو أخْذُ الشيءِ بدون قيمتِه. وقيل: الغبْنُ: الإِخفاءُ ومنه: غبْنُ البيعِ لاستخفائِه. والتفاعُل هنا من واحدٍ لا من اثنين ويقال: غبنْتُ الثوب وخبنْتُه، أي: أخذْتُ ما طال منه مقدارِك فهو نقصٌ وإخفاءٌ. وفي التفسير: هو أن يكتسب الرجلُ مالا مِنْ غيرِ وجهه، فيرِثه غيرُه فيعمل فيه بطاعةِ الله، فيدْخل الأولُ النار والثاني الجنة بذلك المالِ، فذلك هو الغبْنُ البيِّنُ.
{ما أصاب مِنْ مُصِيبةٍ إِلّا بِإِذْنِ الله ومنْ يُؤْمِنْ بِالله يهْدِ قلْبهُ والله بِكُلِّ شيْءٍ علِيمٌ (11)}قوله:
{يهْدِ قلْبهُ}: بالياءِ مجزوما جوابا للشرط قراءة العامّة. وابن جبير وابن هرمز وطلحة والأزرق بالنون والضحاك وأبو جعفر وأبو عبد الرحمن
{يُهْد} مبنيا للمفعولِ
{قلبُه} قائم مقام الفاعلِ. ومالك بن دينار وعمرو بن دينار
{يهْدأْ} بهمزة ساكنة،
{قلبُه} فاعلٌ به بمعنى يطمئنُّ ويسْكُن. وعمرو بن فائد
{يهْدا} بألفٍ مبدلة من الهمزة كالتي قبلها، ولم يحْذِفْها نظرا إلى الأصل وهي أفصح اللغتين. وعكرمة ومالك بن دينار أيضا يهْد بحذفِ هذه الألفِ إجراء لها مُجرى الألفِ الأصليةِ كقول زهير:
جريءٌ متى يُظْلمْ يُعاقِبْ بِظُلْمِه ** سريعا وإنْ لا يُبْد بالظلمِ يُظْلمِوقد تقدّم إعرابُ ما قبل هذه الآيةِ وما بعدها.
{فاتّقُوا الله ما اسْتطعْتُمْ واسْمعُوا وأطِيعُوا وأنْفِقُوا خيْرا لِأنْفُسِكُمْ ومنْ يُوق شُحّ نفْسِهِ فأُولئِك هُمُ الْمُفْلِحُون (16)}قوله:
{خيْرا لأنفُسِكُمْ}: فيه أوجهٌ، أحدها: وهو قول سيبويه أنه مفعولٌ بفعل مقدرٍ، أي: وأْتُوا خيرا كقوله:
{انتهوا خيْرا لّكُمْ} [النساء: 171]. الثاني: تقديرُه: يكنِ الإِنفاقُ خيرا، فهو خبرُ كان المضمرة، وهو قول أبي عبيد. الثالث: أنه نعتُ مصدرٍ محذوفٍ، وهو قول الكسائيِّ والفراء، أي: إنفاقا خيرا. الرابع: أنه حالٌ وهو قول الكوفيين. الخامس: أنه مفعولٌ بقوله:
{أنْفِقوا}، أي: أنْفقوا مالا خيرا. وقد تقدّم الخلافُ في قراءة
{يُضاعِفهُ} [الحديد: 11] و
{يُوق شُحّ نفْسِهِ} [الحشر: 9]. اهـ.